يكرر لبنان التناغم مع المشهد العراقي في الاحتجاجات على فساد السلطة، إذ حدثت الاحتجاجات في البلدين خلال العام 2015، وقتها ظهر لليوم الأول شعار: «إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة»، إدراكاً من الشباب العراقي بأن السلطة الفاسدة التي تحكم العراق ترعاها طهران بشكل يمرر لها فسادها، بضمانه تمثيل مشروع إيران التوسعي على الأراضي العربية.
وفي لبنان ظهر في العام 2015 شعار «كلن يعني كلن»، تاليا لشعار «طلعت ريحتكن» بعد أزمة النفايات التي استمرت لمدة عام، وكان إغلاق مطمر الناعمه ثم التعامل ببطء مع مناقصات لحل الأزمة، كما باقي المشاريع في لبنان تتعطل لخلافات على محاصصات الفساد، وحينها أُجبر من رفع لافتات «كلن يعني كلن» متضمنة صورة حسن نصرالله أن يخفضها عنوة، لأن حزب الله في ترويجه لصورته الذهنية يسعى لتعزيز فكرة أنه ليس بطالب سلطة، بينما هو عملياً «فوق السلطة».
لبنان كما العراق دولتان لم تتعرضا لموجة الربيع العربي، وإن كانتا تأثرتا وأثرتا بثورة كبيرة على باب بيتيهما في سوريا، والملاحظ في الحركتين اليوم ابتعادهما عن أي توجه سياسي، وحرص الحركة في لبنان على سبيل المثال على رفع العلم اللبناني دون أي شعار حزبي، والملاحظة الأبرز أن المتظاهرين العراقيين اليوم هم جيل ما بعد صدام، وبالتالي لا يمكن وصمه بالبعث، التهمة التي كان يوصم بها المعارضون بعد 2003، وفي لبنان كثير من المحتجين هم الشباب الذين لم يعيشوا الحرب الأهلية، بل عاشوا تأسيس نفوذ إيران-حزب الله باغتيال رفيق الحريري في 2005 ثم حرب تموز في 2006.
خرج المسؤولون تباعاً للتعليق على الاحتجاجات، بداية بجبران باسيل الذي خرج من قصر بعبدا وكأنه رئيس الجمهورية، ربما إدراكاً لأن أحد أكبر الهواجس لدى كثير من اللبنانيين أن يصلوا إلى كابوس رئاسته، وكالعادة في خطابه أراد اتهام من في الشارع بأنهم يريدون إسقاط العهد، وبالتالي يمثلون التيارات المعارضة له وعلى رأسها «القوات اللبنانية».
ويتميز جبران باسيل بقدرته الفائقة على التفوق على نفسه في كل مرة، وذلك على مستوى استفزاز الشارع اللبناني وبكل طوائفه، ففي يناير من العام الماضي ظهر له تسجيل وهو يحكي عن نبيه بري، يقول عنه: هيدا بلطجي مش رئيس مجلس نواب، قال ذلك بالرغم من أن حركة أمل من المفترض أنها حليفته، أو حليفة حليفه على أقل تقدير.
وعلى الجانب المسيحي يمثل باسيل سبباً رئيسياً في تقسيم هذا الشارع، وآخر الاستفزازات كانت في 13 أكتوبر وهي ذكرى مهاجمة الجيش السوري لقصر بعبدا وهروب عمه الرئيس ميشيل عون إلى السفارة الفرنسية، حيث صرح بأنه ذاهب إلى سوريا لإعادة اللاجئين السوريين، وهو ما يعني عملياً تقديم أوراق اعتماده لبشار الأسد، إلا أنه ربما لم يحدث معلوماته حول عدم قدرة بشار على أن يأخذ قراراً في سوريا عوضاً عن لبنان.
باسيل والذي يصور نفسه يمثل العهد ولا ينكر عون شيئاً من تصرفاته، استفز أيضاً الشارع السني والدرزي عبر زيارة مستفزة إلى طرابلس وإلى الجبل، والتي أدت لحادثة قبرشمون ومقتل شخصين، بالإضافة للحديث المستفز عن السنية السياسية.
تلا الوزير باسيل ظهور دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الذي أمهل الفرقاء 72 ساعة لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، دون الحاجة إلى فرض ضرائب إضافية على المواطنين، وقد ظهر إلى أي درجه يبدو الحريري مغلوباً على أمره، فالأكثرية النيابية لا ترغب مطلقاً في الاستقالة أو في انتخابات نيابية مبكرة، وهذا ما عبر عنه الحاكم الفعلي للبنان «حسن نصرالله» في خطابه الذي ألقاه في اليوم التالي.
والتطور الإيجابي الحقيقي في الحراك في الشارع اللبناني اليوم، هو تحرك الحاضنة الشيعية ضمن جميع أطياف المجتمع اللبناني، وظهور شعار ما بعد خطاب نصرالله يقول: «كلن يعني كلن نصرالله واحد منن»، ما يعني أن القداسة المستهدفة من أمين حزب الله لم تعد موجودة.
كما أن خروج الحاضنة الشيعية إلى الاحتجاجات إدراك لمسؤولية حزب الله عن الأوضاع الاقتصادية للبنان، فهو وحده المتسبب في العقوبات الأمريكية، وفي اتخاذ سياسات إبعاد الدعم الخليجي، قبل أن يكون مسؤولاً عن تعطيل البلد لعامين ونصف دون رئيس، ثم تنصيب العهد -رئاسة ميشيل عون- بمواصفاته، والتي شهدت ثلاث سنوات عجاف، لم يشهد لبنان أسوأ منها قط على مستوى الكهرباء والنفايات والاتصالات ومستوى النقد الأجنبي.
سمير جعجع أعلن استقالة وزراءه الأربعة وانضمام حزبه للشارع، وسبقه بالطبع حزب الكتائب غير المشارك بالحكومة، لكن وليد جنبلاط حذر من الفراغ ولم يستعجل استقالة وزراءه، ربما إدراكاً لتهديد نصرالله بالنزول للشارع، استذكاراً لحادثة «القمصان السوداء» في السابع من أيار (مايو) 2008، واقتحامه بيروت وصيدا وعدة مناطق لإجبار اللبنانيين على القبول بما يمليه تحت وطأة السلاح.
حزب الله لم يتغير، ولكن هل تغير الشارع بعد أحد عشر عاماً ليتصدى له..؟
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com
وفي لبنان ظهر في العام 2015 شعار «كلن يعني كلن»، تاليا لشعار «طلعت ريحتكن» بعد أزمة النفايات التي استمرت لمدة عام، وكان إغلاق مطمر الناعمه ثم التعامل ببطء مع مناقصات لحل الأزمة، كما باقي المشاريع في لبنان تتعطل لخلافات على محاصصات الفساد، وحينها أُجبر من رفع لافتات «كلن يعني كلن» متضمنة صورة حسن نصرالله أن يخفضها عنوة، لأن حزب الله في ترويجه لصورته الذهنية يسعى لتعزيز فكرة أنه ليس بطالب سلطة، بينما هو عملياً «فوق السلطة».
لبنان كما العراق دولتان لم تتعرضا لموجة الربيع العربي، وإن كانتا تأثرتا وأثرتا بثورة كبيرة على باب بيتيهما في سوريا، والملاحظ في الحركتين اليوم ابتعادهما عن أي توجه سياسي، وحرص الحركة في لبنان على سبيل المثال على رفع العلم اللبناني دون أي شعار حزبي، والملاحظة الأبرز أن المتظاهرين العراقيين اليوم هم جيل ما بعد صدام، وبالتالي لا يمكن وصمه بالبعث، التهمة التي كان يوصم بها المعارضون بعد 2003، وفي لبنان كثير من المحتجين هم الشباب الذين لم يعيشوا الحرب الأهلية، بل عاشوا تأسيس نفوذ إيران-حزب الله باغتيال رفيق الحريري في 2005 ثم حرب تموز في 2006.
خرج المسؤولون تباعاً للتعليق على الاحتجاجات، بداية بجبران باسيل الذي خرج من قصر بعبدا وكأنه رئيس الجمهورية، ربما إدراكاً لأن أحد أكبر الهواجس لدى كثير من اللبنانيين أن يصلوا إلى كابوس رئاسته، وكالعادة في خطابه أراد اتهام من في الشارع بأنهم يريدون إسقاط العهد، وبالتالي يمثلون التيارات المعارضة له وعلى رأسها «القوات اللبنانية».
ويتميز جبران باسيل بقدرته الفائقة على التفوق على نفسه في كل مرة، وذلك على مستوى استفزاز الشارع اللبناني وبكل طوائفه، ففي يناير من العام الماضي ظهر له تسجيل وهو يحكي عن نبيه بري، يقول عنه: هيدا بلطجي مش رئيس مجلس نواب، قال ذلك بالرغم من أن حركة أمل من المفترض أنها حليفته، أو حليفة حليفه على أقل تقدير.
وعلى الجانب المسيحي يمثل باسيل سبباً رئيسياً في تقسيم هذا الشارع، وآخر الاستفزازات كانت في 13 أكتوبر وهي ذكرى مهاجمة الجيش السوري لقصر بعبدا وهروب عمه الرئيس ميشيل عون إلى السفارة الفرنسية، حيث صرح بأنه ذاهب إلى سوريا لإعادة اللاجئين السوريين، وهو ما يعني عملياً تقديم أوراق اعتماده لبشار الأسد، إلا أنه ربما لم يحدث معلوماته حول عدم قدرة بشار على أن يأخذ قراراً في سوريا عوضاً عن لبنان.
باسيل والذي يصور نفسه يمثل العهد ولا ينكر عون شيئاً من تصرفاته، استفز أيضاً الشارع السني والدرزي عبر زيارة مستفزة إلى طرابلس وإلى الجبل، والتي أدت لحادثة قبرشمون ومقتل شخصين، بالإضافة للحديث المستفز عن السنية السياسية.
تلا الوزير باسيل ظهور دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الذي أمهل الفرقاء 72 ساعة لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، دون الحاجة إلى فرض ضرائب إضافية على المواطنين، وقد ظهر إلى أي درجه يبدو الحريري مغلوباً على أمره، فالأكثرية النيابية لا ترغب مطلقاً في الاستقالة أو في انتخابات نيابية مبكرة، وهذا ما عبر عنه الحاكم الفعلي للبنان «حسن نصرالله» في خطابه الذي ألقاه في اليوم التالي.
والتطور الإيجابي الحقيقي في الحراك في الشارع اللبناني اليوم، هو تحرك الحاضنة الشيعية ضمن جميع أطياف المجتمع اللبناني، وظهور شعار ما بعد خطاب نصرالله يقول: «كلن يعني كلن نصرالله واحد منن»، ما يعني أن القداسة المستهدفة من أمين حزب الله لم تعد موجودة.
كما أن خروج الحاضنة الشيعية إلى الاحتجاجات إدراك لمسؤولية حزب الله عن الأوضاع الاقتصادية للبنان، فهو وحده المتسبب في العقوبات الأمريكية، وفي اتخاذ سياسات إبعاد الدعم الخليجي، قبل أن يكون مسؤولاً عن تعطيل البلد لعامين ونصف دون رئيس، ثم تنصيب العهد -رئاسة ميشيل عون- بمواصفاته، والتي شهدت ثلاث سنوات عجاف، لم يشهد لبنان أسوأ منها قط على مستوى الكهرباء والنفايات والاتصالات ومستوى النقد الأجنبي.
سمير جعجع أعلن استقالة وزراءه الأربعة وانضمام حزبه للشارع، وسبقه بالطبع حزب الكتائب غير المشارك بالحكومة، لكن وليد جنبلاط حذر من الفراغ ولم يستعجل استقالة وزراءه، ربما إدراكاً لتهديد نصرالله بالنزول للشارع، استذكاراً لحادثة «القمصان السوداء» في السابع من أيار (مايو) 2008، واقتحامه بيروت وصيدا وعدة مناطق لإجبار اللبنانيين على القبول بما يمليه تحت وطأة السلاح.
حزب الله لم يتغير، ولكن هل تغير الشارع بعد أحد عشر عاماً ليتصدى له..؟
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com